عبر المرأة والطفل دون سند..نائب ينتهك الدستور ويقوّض مدنية الدولة
في مداخلة تحت قبة البرلمان أمس الخميس توجّه بها إلى وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن إيمان الزهواني هويمل والوفد المصاحب لها، ألقى النائب عن إئتلاف الكرامة محمد العفاس خطابا محمّلا بعبارات الكره والاحتقار للمرأة التونسية، ضاربا بقوانين حماية المرأة وبقيم الجمهورية عرض الحائط، وباثّا خطابا تحريضيا مباشر ضد المدافعين على حرية المرأة ومكاسبها، دون أن تحرّك وزيرة المرأة أو رئيس الجلسة طارق الفتيتي ساكنا.
ولئن غادر عدد من النواب قاعة الجلسة احتجاجا على هذا الخطاب المُهين للتونسيات، فقد واصل النائب المذكور وبإبتسامة هازئة علت وجهه، خطابه التكفيري والتحريضي، لمدة تجاوزت الستّ دقائق، ولم يُقاطعه خلالها أحد، مستعملا ما قال إنها ثنائية ''هم ونحن''، وحاشرا في ذلك ما شاء من الآيات القرآنية والأحاديث النبوّية التي وظّفها كما شاء في خطاب ينضح عنفا، ولأجل أفكار متطرّفة لم تُطرح تحت قبّة البرلمان حتى في أحلك أيام المجلس التأسيسي ..
وفي ''تصحيحه'' للمصطلحات وفق الأفكار المتطرّفة التي عبّر عنها بكل أريحية، قال النائب ''هم يتكلمون عن حرية المرأة، ونحن نعتبرها حرية الوصول إلى المرأة.. ما يسمّونه حرية نسميه تحررا، وهو أن يكون المرء عبدا للموضة والغرب والشهوات ولدعوات الفسق والفجور..''. وتابع ''المرأة عندهم سلعة رخيصة مكشوفة لمن هبّ ودب، وعندنا جوهرة غالية نفيسة محفوظة'' وفق تعبيره.
وأضاف ''مكاسب المرأة عندهم الأمهات العازبات، الإنجاب خارج إطار الزواج، الحق في الإجهاض، ممارسة الرذيلة، الشذوذ الجنسي.. نقول لهم إن هي إلا أسماء سمّيتموها ما أنزل الله بها من سلطان''.
وواصل الرجل كيل ما طاب له من نعوت اعتبرها ''الأسماء الصحيحة''، قائلا لوزيرة المرأة وممثلة الدولة التونسية التي لم تنبس بشفة ولم تحتجّ على هذا الخطاب حتى بالإشارة، ''الأمهات العازبات هنّ إما عاهرات أو مغتصبات، الإنجاب خارج إطار الزواج هو زنا، الاجهاض هو قتل نفس بغير نفس، الحرية الجنسية عهر..''.
واسترسل مقسّما المجتمع التونسي إلى ''نحن'' و''هم''، قائلا ''دولتهم هي من خلّفت المواخير، وتاريخنا شرف على شرف، نماذج المرأة عندهم الزوجة الخائنة، والطالبة اللعوب، والبنت العاقّة والشغالة المتحرشة.... هم يدافعون على عمى على مجلة الأحوال الشخصية ويقولون عنها خطا أحمر.. ونحن ندافع على بصيرة على أحكام رب العالمين ونعتبرها خطا أحمر... هم أرخصوها والإسلام أكرمها.. هم أرخصوها ونحن عزّيناها.. مشاكل الأسرة والطفولة من مخلفات فهمهم المشوّه للمرأة والأسرة.." وتابع أيضا ''مأوى العجز وديار المسنين التي ترعونها نسميها نحن مراكز العقوق..''.
ولئن جاءت مداخلات نواب سابقين مستهجنة ومنددة بما اعتبرته ''مسا من قيم الجمهورية'' بسبب موضوع طُرح في إذاعة المنستير حول التدخل العسكري، فلا أحد من النواب رآى في كل هذه الأفكار خطرا أو مسّا من قيم الجمهورية أوأسسها، ولم تجد وزيرة المرأة حرجا في الإستماع لمداخلة مماثلة إلى نهايتها، بل وعدم الرد عليها أيضا.
ولم يكتف النائب العفاس عند ذلك الحد، بل ختم مداخلته قائلا: ''يريد الله أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، فسحقا لهم بما يريدون ولتسقط ترّهات العلمانية والبورقيبة ولتحيا أحكام رب العالمين''.
جاء كل ذلك على لسان نائب يُفترض أن يكون ملمّا بما جاء في دستور البلاد والقبّة التي تحدّث من منبرها، والذي ينص صراحة وبوضوح الشمس على مدنية الدولة وحقوق مواطنيها، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة وبالمسنين والأطفال الذين انتهك النائب عرضهم وأهان من لم تُسعفهم الظروف ليعيشوا حياة طبيعية وفي محيط عائلي عادي، فوجد نفسه في ملجإ طفولة أو دار عجّز التي اعتبرها النائب العفاس ''مراكز عقوق''.. وذلك بعد أن كال لفئات من المجتمع التونسي من السّباب والشتائم والأوصاف ما يندى له الجبين، والذي يستوجب تحرّكا من مؤسسات الدولة ومن البرلمان بالذات، الذي أُنتُهك فيه الدستور والقوانين التي يقوم عليها.
أمل الهذيلي